قوله جل ذكره: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ}.أي: ألم نخلقه سميعاً بصيراً متكلِّماً.{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}.الهمناه طريق الخيرِ والشِّر.{فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْبَغَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}.أي: فهلاَّ اقتحم العقبة {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} استفهام على التفخيم لشأنها.ويقال: هي عَقَبَةٌ بين الجنة والنار يجاوزها مَنْ فَعَلَ ما قاله: وهو فكُّ رقبة؛ أي: إعتاقُ مملوك، والفكُّ الإزالة. وأطعم في يومٍ ذي مجاعةٍ وقحطٍ وشدَّةٍ يتيماً ذا قربة، أو {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}: لا شيء له حتى كأنه قد التصق بالتراب من الجوع.قوله جل ذكره: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وتواصوا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَواْ بِالْمرْحَمَةِ}.أي: من الذين يرحم بعضُهم بعضاً.{أُوْلئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}.أي: أصحاب اليُمْنِ والبركة.{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِئَايَتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ عَلَيْهِم نَارٌ مُّؤْصَدَةُ}.هم المشائيمُ على أنفسهم، عليهم نارٌ مُطْبِقَة؛ يعني أبواب النيران (عليهم مغلقة).والعقبة التي يجب على الإنسان اقتحامها: نَفْسُه وهواه، وما لم يَجُزْ تلك العقبة لا يفلح و{فَكُّ رَقَبَةٍ} هو إعتاقُ نَفْسِه من رِقِّ الأغراض والأشخاص.ويكون فك الرقبة بأن يهدي مَنْ يفكُّه- من رق هواه ونفسه- إلى سلامته من شُحِّ نفسه، ويرجعه إليه، ويخرجه من ذُلِّه.ويكون فكُّ الرقبة بالتَّحرُّزِ من التدبير، والخروج من ظلمات الاختيار إلى سعة الرضاء.ويقال: يطعم من كان في متربة ويكون هو في مسبغة.{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} أي تكون خاتمته على ذلك.